مقدمه
الحمد لله رب العالمین، والصلاه والسلام على أشرف الأنبیاء والمرسلین نبینا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین.
وبعد فإن المسلم یتعرض فی حیاته لعدد من الحالات الطارئه، التی یحتاج فیها لوجود جواب فوری یعمل بمقتضاه عند حصول الحاله المعینه، وکثیراً ما یصعب أو یتعذر وقتها البحث عن الحکم الشرعی أو السؤال عنه.
وهذا یؤکد أهمیه التفقه فی الدین ومعرفه أحکام الشریعه حتى إذا ما احتاج المسلم للحکم وجده عنده فأنقذ نفسه أو غیره من إخوانه المسلمین من الوقوع فی المحرمات أو الأخطاء، وکثیراً ما یؤدی الجهل إلى فساد العباده أو الوقوع فی الحرج، ومن المؤسف أن یقوم إمام إلى الخامسه سهواً فی صلاته بالجماعه فلا تجد فی المسجد واحداً یعرف الحکم الشرعی فی هذه المسأله، أو یأتی مسافر وقت إقلاع الطائره وهو ینوی العمره ویکتشف فجأه أنه قد نسی لباس الإحرام، ولیس هناک وقت لتوفیره ثم لا یوجد فی المطار من المسلمین من یخبره بماذا یفعل فی هذه الحاله الطارئه، ویدخل شخص المسجد وقد جمعوا للمطر وهم فی صلاه العشاء وهو لم یصل المغرب فیقع فی حیره من أمره، وقل مثل ذلک من الحالات التی یختلف المصلون فیها ویتناقشون بجهلهم، فیقع الاضطراب والتشویش فی مساجد المسلمین وجماعتهم، وفی کثیر من الأمور الشخصیه والفردیه، فإن الجهل یوقع فی الحرج وربما الإثم وخصوصاً إذا کان المرء فی موقف یجب علیه فیه أن یتخذ قراراً ولیس عنده علم یبنی علیه قراراه.
وإذا کان أهل الدنیا یضعون الإجابات المسبقه للتصرف السلیم فی الحالات الطارئه ؛ کحصول الحریق، وانتشال الغریق، ولدغه العقرب، وحوادث الاصطدام، والنزیف والکسور، وسائر إجراءاتهم فی الإسعافات الأولیه وغیرها، یعلمون ذلک للناس ویقیمون الدورات لأجل ذلک، فأهل الآخره أولى أن یتعلموا ویعلموا أحکام هذا الدین.
ومما ینبغی الانتباه له هنا التفریق بین المسائل الافتراضیه التی لا تقع أو نادره الوقوع وبین المسائل الواقعه فعلاً، التی علم من التجربه وحال الناس أنها تحدث ویقع السؤال عنها.
فأما القسم الأول: فالبحث فیه من التکلف الذی نهینا عنه شرعاً وقد حذرنا من هذا النبی صلى الله علیه وسلم، بقوله: (ذرونی ما ترکتکم فإنما هلک من کان قبلکم بکثره سؤالهم واختلافهم على أنبیائهم…) الحدیث فی الصحیحین واللفظ لمسلم برقم 1337 ج: 2 ص: 975.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى فی شرح هذا الحدیث: (فدلت هذه الأحادیث على النهی عن السؤال عما لا یحتاج إلیه.. وعلى النهی عن السؤال على وجه التعنت والعبث والاستهزاء) جامع العلوم والحکم ابن رجب 1/240 ت: الأرناؤوط.
وعلى هذا المعنى یحمل کلام جماعه من السلف کما جاء عن زید بن ثابت، رضی الله عنه، أنه کان إذا سئل عن الشیء یقول کان هذا ؟ فإن قالوا لا قال: دعوه حتى یکون. أورده ابن رجب المرجع السابق 1/245 وانظر آثاراً مشابهه فی سنن الدارمی 1/49، وجامع بیان العلم لابن عبد البر 2/174.
أما القسم الثانی: وهی المسائل التی تقع فالسؤال عنها محمود (وقد کان أصحاب النبی صلى الله علیه وسلم أحیاناً یسألونه عن حکم حوادث قبل وقوعها لکن للعمل بها عند وقوعها کما قالوا له: إنّا لاقو العدو غداً ولیس معنا مدى أفنذبح بالقصب ؟ وسألوه عن الأمراء الذین أخبر عنهم بعده وعن طاعتهم وقتالهم، وسأله حذیفه عن الفتن وما یصنع فیها) جامع العلوم والحکم 1/243 فهذا یدل على جواز السؤال عما هو متوقع حصوله.
وهذا عرض لبعض المسائل الشرعیه التی یتعرض لها الناس فی حیاتهم، وهی من المسائل الواقعیه التی حصلت وتحصل لبعض الناس مع کل مسأله جوابها مقروناً بذکر المصدر من أهل العلم الثقات، وقد یکون فی المسأله أقوال لکن جرى الاقتصار فی الغالب على قول واحد معتبر بدلیله مع الإیجاز طلباً للتسهیل والاختصار خشیه التطویل والله أسأل أن ینفعنی بهذا وإخوانی المسلمین فی هذه الدار ویوم یقوم الأشهاد وأن یجزی بالخیر من ساهم فی هذا إنه جواد کریم والله أعلم وصلّى الله على نبینا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.